مع تقدم السن و التجربة تتغير الكتابة

بسم الله الرحمن الرحيم

مع تقدم السن و التجربة تتغير الكتابة. بين أول تاريخ صدور أول مقالة لي في الصحافة الوطنية و بين متابعتي الأسبوعية لركني نظرات مشرقة في جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائرين مسافة طويلة بطول معايشتي لهموم القلم و أول موضوع نشر كان يدور حول جبران خليل جبران و قد قدم لي خدمة لم أنساها الأستاذ سليم قلالة بنشر مقالتي آنذاك في أسبوعية "الحقيقة"
أحمد الله علي ثباتي في المسيرة و أدعو الله صادقة لأن يثبتني لآخر مشوراي، فحق الله علي أن أشكره علي هذه النعمة و أن ابذل المزيد و المزيد في سبيل نصرة دينه و بعث روح المقاومة و تثبيت مبدأ طلب العلم و النهوض بأمة الإسلام.

lundi 7 mars 2011

الوطن المغبون


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هذه المقالة نشرت في اسبوعية كواليس 20 مارس 2003
و قد أدخلت عليها تعديلات هنا


أذكر وجها من وجوه الماضي الذي تعاملت معه مهنيا لفترة تناهز بضعة أشهر، كان غريبا غربيا قدم إلي بلادنا ليعمل ثم يعود من حيث أتي.
قبل أن أعرفه مهنيا، كان قد ألح علي أحد الإخوة الجزائريين ممن أتعامل معهم مهنيا بالتعرف عليه، رفضت ثم عقد القدر بيني و بينه عمل، فشاء لي الله التعرف عليه و بمجرد ما تعاملت معه علمت أنني أمام صنف نادر من الغربيين، فقد كان رجلا متوازنا مع نفسه و قيم حضارته و دينه و كان مخلصا لعمله. كان مضرب الأمثال بين أقرانه الغربيين أنفسهم، إلا أن حبه للجزائر لم أره في أي جزائري أو جزائرية. و قد إلتمست فيه رغبة شديدة في معرفة كل شيء عن الجزائر و هذا منذ أول لقاء مهني بينه و بيني.
بادرني بالسؤال :
-عرفيني ببلدك؟
ففاجأته بسؤالي :
-ماذا تريد معرفته بالضبط عن الجزائر، حدد من فضلك ؟
فقال لي مترددا:
-هل أخطأت حينما سألتك ؟
-لا سيدي، إنما أنا إبنة ديبلوماسي و نحن مولعون بتحديد الأسئلة و المفاهيم، فهل لك أن تحدد لي نوعية ما ترغب في معرفته و مغزي فضولك هذا ؟
فضحك بتلقائية، قائلا لي :
-عجيب، لماذا كل هذه الحيطة و هل طالبتك بالإفصاح عن أسرار؟
-لا يقال السر، لأنه بمجرد إذاعته لا يصبح سرا. ألا تلاحظ أننا أضعنا عشرة دقائق لضبط ما تريد معرفته؟
إلتزم الصمت لثوان قصيرة ثم قال لي بهدوء:
-ما هي أهم المحطات التاريخية للجزائر قبل 1830؟
فسارعت بإعطاءه لمحة وجيزة و أضفت قائمة من المراجع التاريخية المهمة التي تروي بإسهاب تلك الحقبة من عمر المغرب الأوسط.
سجل كتابيا العناوين، مستطردا:
-أسماء بعض المؤلفين فرنسيين، هل تتركون الفرنسيين يؤرخون لكم؟
-نعم، و لا. نحن لم ندعوهم لذلك إنما بعضهم يتكرم لفعل ذلك بحسن نية و البعض الآخر له نوايا خبيثة.
-آه و ماذا عن تاريخ الجزائر الحديث ؟
-حدد من فضلك؟
إبتسم، مجيبا:
-من 1830 إلي 1999.
-معذرة سيدي و لكنني أكثر إلماما بفترة الإستقلال من زمن الإستعمار، لهذا أري من الأفضل لك أن تطالع هذه الكتب و تتصل ببعض الشخصيات الوطنية المعروفة بموضوعيتها لتشبع نهمك.
و في آخر إتصال لي به قبل أن يغادر الجزائر، قال لي:
- إنني لم أزر ثلاثة أرباع الجزائر و لم أذهب إلي الأسواق و لم أتجول في زقاق القصبة و لم أزر متحفا واحدا، و أما المكتبات فلا أعرف إلا مكتبة الحامة و لم أتسكع في الأحياء الشعبية، و لم أته في صحراء الجزائر، و كل ما أخذت منها هي حفنة رمل جاء لي بها صديق جزائري، يا حسرتي و ها أنا ذا مغادر.
رثيت لحاله بنوع من التهكم:
-أنت تنجح أكثر كجاسوس من هذه المهنة التي تمارسها في شركة عابرة للقارات.
-أيعقل هذا ؟ صرخ في الهاتف، أنا أكره السياسة و المؤمرات و العالم القذر للجوسسة و هل هي جريمة أن يحب المرء الجزائر؟
- لا أبدا، لم أقل هذا. قلت له : إنما تريد بعقلك الغربي العملي أن تلم في بضعة أشهر بكل شيء في الجزائر و نحن تعاقبنا جيلا عن جيل علي مدي خمسة آلاف سنة أو أكثر في هذه الأرض و لا نعرف منها إلا النزر القليل، فما بالك أنت ؟
وافقني بشيء من الأسي:
-صحيح، أرضكم رائعة، من يعيش علي أديمها يشعر بأنه حر طليق، إنني أدعو يسوع أن أعود إلي الجزائر و العيش فيها لم لا؟
شكرت له هذا الشعور المفعم بحب الجزائر و تمنيت خفية عنه، أن ألمس مثل هذه المحبة للجزائر في نفوس الجزائريين، هيهات لنا ذلك.
-سأعطيك سري. قال لي فجأة علي الخط.
-ما هو ؟
-إنني غربي إنساني و إنسانيتي ستقتلني يوما ما.
-لا تفكر هكذا، و لعل إنسانيك منقذتك؟ قلت له في حزم.
-أتظنين؟ ربما أنت محقة، إن الدفيء و الجد اللذين وجدتهما هنا جعلاني لا أطيق جنسيتي و سأرحل و بي حنين مطلق لحرية مقدسة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire