بسم الله الرحمن الرحيم
كوة نور
خيار الرحيل
نشر هذا النص في يومية العالم السياسي الخميس 15 ذو الحجة 1419 الموافق ل 1 أبريل 1999
الهواء اليوم خال من كل شيء
ليس له إلمام سوي بالعدم
و ينساب فوقنا بدون معني،
كأن لم يكن أحد منا هنا من قبل
ولاس ستيفنز
لا يمر يوم إلا و تحضرني أسماء و وجوه من تركوا الوطن و غادروا إلي آفاق رحبة لا تحبس عليهم أنفاسهم كما هو الأمر هنا.
لا يمر أسبوع دون رحيل أحدهم إلي هناك، إلي أرض الغربة و في حالة ما تحين لحظة التوديع، أجد نفسي تستعيد نصيحة أمريكي أسداها لي:" الأمل موجود في الجزائر، هنا يكتسي دفاعكم عن حقوقكم كمواطنين شرعية لن تتوفر لكم في الغربة." كلام منطقي لكنه لن يقنع من قرروا الرحيل و كما قالت سيدة جزائرية تستعد للهجرة إلي كندا :" أفضل أن أعيش غريبة في بلد أجنبي علي العيش غريبة في أرضي!"
كلام منطقي أيضا، يعبر عن لوعة عظيمة يعانيها المواطن الجزائري. علي الفرد أن يستنجد بكل الوسائل القانونية لينال حقوقه فهذا حق من حقوقه الذي يضمنه له الدستور و إذا ما تبين له أن جميع الوسائل المبذولة لم تنتهي إلي نتيجة مرضية فلا بأس من أن يبحث لنفسه عن موطن جديد فأرض الله واسعة.
أورد في هذا السياق شهادة لمواطن أمريكي من أصل باكستاني:" إنني هنا في أمريكا لا أشعر بالمهانة و لا بالظلم الذي كنت ضحيته في وطني الأصلي لأن حقوقي مضمونة ما دمت أؤدي واجباتي، هذا ما لن نجده في أوطاننا بحيث يستأسد القوي علي الضعيف و يأكل الغني حق الفقير."
إن مستوي الوعي المدني في بلادنا متدهور للغاية و شعور المواطن بالعجز و الإحباط كبله، إن الفرد منا يجد نفسه محاصرا من كل جانب و قد يئس من النظام و من الإدارة:" لا أنال حقي إلا بدفع الرشوة و هذا هو الحرام الذي لن أقربه و قد كرس بعض المسؤولين الرشوة كمبدأ في تعاملاتهم مع المواطنين."هذا ما يتداوله الناس المغلوبين علي أمرهم، يستحقا الراشي و المرتشي عقوبة الإعدام لأن هذه الآفة الخطيرة أجهزت علي مناعة هذا المجتمع و إلا بماذا نفسر هذه السلسلة المتوالية من الإخفاقات الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية ؟
إن إفتقاد مسيري هذا البلد للكفاءة و للأمانة شرطين أخلاقيان ضروريان لكي تستقيم إرادتهم، جعل منظمة دولية تصنف ظروف المعيشة في الجزائر بالأصعب في العالم!!
إننا أكثر الأمم التي تحسن تكديس القوانين دون تطبيقها و السبيل الوحيد لإصلاح هذا الوضع يتمثل في إحياء تراث القيم و المباديء الذي كان وراء إزدهار و إنتشار الإسلام في أولي أيامه.
إننا نسير في طريق مسدود و الأجدر بنا أن نستيقظ قبل فوات الآوان، فقد غادر من أيام بلادنا إستراتيجي غربي جاء في زيارة إستقصائية و قد كان تعليقه بعد شهرين أمضاهما بيننا بمثابة دق ناقوس الخطر:"إذا ما بقيت الأوضاع علي ما هي عليه الآن في الجزائر فهذا البلد محكوم عليه بالزوال في بحر نصف قرن." ماذا نقول ؟
فما يستعصي علي الفهم هذا الإصرار الذي يبديه الحكام و المحكومين في إنكار مجموعة من البديهيات منها مراعاة الله في أنفسهم و في الآخرين.
فهذا الإستهتار بالسنن الكونية الذي تشهده في مجتمعنا سيؤدي بنا حتما إلي الزوال المشار إليه في الأعلي علي لسان ولاس ستيفنز. يستلزم بناء دولة حد أدني من الضوابط التي يجب أن يخضع إليها حكام و محكومين دون إستثناء، فالمسؤولية ليست وسيلة تتيح لحاملها إغتصاب حقوق الناس و الإستيلاء علي الأموال العامة، فما ينقص أفعالنا و أفكارنا هو ذلك البعد الآخروي الذي إن توفر يلزمنا بتوخي الحق في كل ما نقوم به. إنني بتأملي لأحوال الناس أدرك غياب مقياس الحق، فلا أجد في أفعالهم و لا في أقوالهم ذلك الخير الذي ينم عن تقوي النفوس، لم يخلق الله آدم لتعبد ذريته آلهة من صنعها، بماذا نصف ذلك الإنصراف اللامفهوم عن الله الذي نلمسه عند من يتقلدون المسؤولية ؟ إننا ننسي في لهثنا وراء الدنيا أن للحياة رب و أن من نسي الله في الدنيا نسيه خالقه في الآخرة، الجزائر أرض رائعة كما شهد بذلك هولاندي أوصي بأن يدفن فيها إلا أن أهل هذا البلد لم يعوا بعد أن حقوقهم مصانة ما دام الخير مصان في نفوسهم و أفعالهم.
بقلم عفاف عنيبة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire