بسم الله الرحمن الرحيم
تذكرة
المدينة
في عيني دائما يا مدينة أيامي البحرية
متدلية من الجبل العظيم بالكاد تثبتين
عمودية تمتدين داخل الأمواج الزرقاء
في مظهر ملكة تحت السماء و فوق الماء
المدينة الأم الناصعة البياض حيث عشت و تذكرت
مدينة ملائكية تشرق علي البحر و تتصدر
رغوته
شوارع خفيفة و مجهدة ذات موسيقي و جنان
حيث الزهور الإستوائية تطوق نخيلها
السامق الريان
نخيل من النور تتأرجح فوق الرؤوس
تهز بريق النسيم
مثنيت أليكسندر
من قصيدة "إلي مدينتي مالقا" بتصرف
لإسبانيا ثلاثة شعراء أفذاذ لوركا، نيرودا و بثنيت أليكسندر الذي أتقن الحديث عن المدينة الذاكرة فلكل واحد منا مسقط رأسه و لكل واحد منا مدينته التي يعيش فيها و المدينة التي يحلم بها. هي المكان المفقود الذي نتهافت عليه في الواقع و لا نعثر له علي أثر فهذا المكان له مواصفات خاصة به لا نجدها في الحكايات و لا في الكتب و لا في الصور المرئية...
فالمدينة الناصعة حيث عاش الشاعر بثنيت و منها إنطلق إحتفظت بوجهها و تألقها في مخيلته و أما المدينة التي نبحث عنها لم نطأها و لم نشهدها بعد و لا نعرف أي الدروب تؤدي إليها ؟
إنها الصور و الأفعال و المشاعر الجميلة البريئة التي تجتمع في مساحة محدودة و التي إن أردنا إعطاءها إسما نقول : المدينة.
فالحياة التي تسكن جدرانها، باحاتها ليست الحياة التي عهدناها في الأبعاد المألوفة، فكل شيء في تلك المدينة ما زال عفويا فطريا نظيفا لم يزحف إليه الزيف و التصنع و النفاق... هذه الآفات التي لا بد منها لم تكن شائعة و لم تستبد بالأهواء. فالناس و مفاهيمهم السطحية أبقوا علي الإطار و أستغنوا عن المضمون مدعين تارة أنه يكفي أن تكون المعيشة مقبولة دون أن تكون بالضرورة جميلة و مريحة. و تارة أخري يزعمون أن لكل شيء ثمن و من يبتغي العيش في المدينة عليه بالتضحية. و في نهاية المطاف و في كل الأحوال نكون قد خسرنا هذه و تلك و حينها نلجأ إلي بقية الحيلة فينا لنخلق أجواء المدينة اللغز. ليتأكد لنا يوما بعد يوم أنها سراب لأن في توقنا إليها لم نتخلص بعد من الإعتقاد الخاطيء الذي يصف لنا أدوات البناء من مواد أساسية كالإسمنت المسلح و الحجارة و الأنابيب و الأعمدة اللولبية و نغفل عن المدينة الحقيقية التي تشيد بالأنامل و أفئدة المحبة و التآخي و حسن الجوار و الإحترام و التسامح و عشق الجمال. لهذا ستظل مدينتنا بعيدة المنال كسحابة وردية بين السماء و الأرض، لا هي في هذه و لا هي في تلك. بقلم عفاف عنيبة